قصة ابراهيم هنانو البطل
دخل الأمير "فيصل بن الحسين" مدينة دمشق في (25 من ذي الحجة 1336هـ = 1 من أكتوبر 1918م) بعد أن تعاون مع الحلفاء في محاربة الدولة العثمانية، وإخراجها من بلاد الشام، وكانت الجيوش الفرنسية والإنجليزية التي تعاونت مع العرب لا تزال مرابضة في الساحل السوري ترفض مغادرة البلاد من حيث أتت، وطالت المباحثات بين فيصل وإنجلترا وفرنسا؛ لنيل استقلال بلاده، وحصولها على حريتها دون أن يصل إلى نتيجة حاسمة.
ولم يلبث أن اجتمع المؤتمر السوري، الذي كان أشبه ما يكون بالبرلمان في (16 من جمادى الآخرة 1338هـ = 8 من مارس 1920م)، ونادى بالأمير "فيصل" ملكًا على سوريا، وتألفت في اليوم نفسه حكومة عربية برئاسة "رضا باشا الركابي"، وكان من أعضائها "ساطع الحصري" و"فارس الخوري"، وتلا قرار المؤتمر على الجماهير المحتشدة في ساحة الشهداء بدمشق، وتضمن إنشاء حكومة ملكية دستورية في الشام تكون عاصمتها "دمشق"، وتنصيب الملك "فيصل" عليها، ورفض الصهيونية، وإنشاء وطن قومي لها بفلسطين.
وكان من الطبيعي أن تقتنع الدول الحلفاء بعدالة هذه القوات، وتوافقها على إرادة الشعب السوري ورغباته، لكن أحلام العرب في نيل الحرية والاستقلال تبددت بعد قرارات مؤتمر "سان ريمو" في إيطاليا في (6 من شعبان 1338هـ = 25 من إبريل 1920م)، الذي قضى بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، والعراق وفلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني، وكشفت الدولتان الاستعماريتان عن وجهيهما البغيضين، وأعلنتا عن نياتهما السيئة ومكرهما الخبيث، وأعقب ذلك قيام الجنرال "غورو" قائد الجيش الفرنسي في الشام بتوجيه إنذار شديد في (27 من شوال 1338هـ = 14 من يوليو 1920م) إلى الحكومة العربية بدمشق بضرورة قبول الانتداب الفرنسي على سوريا، وتسريح الجيش، ولم يدع للملك فيصل فرصة للتفكير أو الإمهال في الرد، فإما قبول الإنذار، وفي تنفيذه الاحتلال بعينه، وإما رفضه؛ فتكون المعركة المرتقبة.
ورفضت القوى الوطنية في سوريا هذا الإنذار، وأعلنت الحرب على فرنسا والتعبئة العامة، والاستعداد للجهاد، على الرغم من ضعف الإمكانيات وقلة العتاد، وتقدمت القوات الفرنسية صوب دمشق بجحافلها ومعداتها، واستماتت بعض الحاميات في الدفاع عن المدينة دون جدوى، وقبل أن يدخل الفرنسيون عاصمة الأمويين جرت معركة "ميسلون" الخالدة في (8 من ذي القعدة 1338هـ = 24 من يوليو 1920م)، التي استشهد فيها "يوسف العظمة" وزير الدفاع السوري، ولم تتمكن القوات السورية على بسالتها وشجاعتها من دفع الهجوم الفرنسي، والحيلولة دون وقوع دمشق في قبضة الفرنسيين.
ودخل القائد الفرنسي العاصمة فرحًا فخورًا، واتجه إلى قبر "صلاح الدين"، ووقف أمامه، وقال في شماتة: "نحن قد عُدنا يا صلاح الدين".
وبعد الاحتلال قاد المقاومة الشعبية في دمشق وحلب ثائر أبيٌّ، هو إبراهيم هنانو، اعتصم هو ورجاله بالجبال، وشنوا الهجمات المتتالية على قوات الاحتلال.
المولد والنشأة
وُلد إبراهيم هنانو في بلد "كفر تخاريم" من أعمال حلب سنة (1286هـ = 1869م)، ونشأ في أسرة ذات غِنى ويسار، تنحدر من أصل تركي؛ فعنيت بتربيته وتعليمه. وبعد أن أتم تعليمه الأوَّلِي أُرسل إلى "الآستانة"، والتحق بالمدرسة الملكية للحقوق والإدارة، وبعد التخرج تقلب في مختلف الوظائف الإدارية متنقلاً في بعض المدن العثمانية، حتى انتهى به الحال رئيسًا لديوان ولاية حلب سنة (1337هـ = 1918م).
مقاومة المحتل
وفي أثناء ولايته كانت القوات الفرنسية ترابض في الساحل السوري، وأظهرت نواياها الخبيثة ضد البلاد، ولم يصمت الأحرار في سوريا، فقام نفر من الثوار في شمال سوريا يناوشون القوات الداخلية، وعهدت جمعية "الدفاع الوطني" بحلب إلى "هنانو" بجمع المال والسلاح، وكانت هذه الجمعية قد تشكلت من القادة الوطنيين لتنظيم المقاومة ضد المحتلين. وقام "إبراهيم" بإمداد الثائرين في الساحل بالمال والسلاح والرجال، ونظم أمورهم حتى اشتدت يدهم في مقاومة الفرنسيين.
وبعد احتلال الفرنسيين لسوريا، عقب إنذار غورو ومعركة ميسلون- ترك إبراهيم هنانو حلب إلى معاقل الجبال؛ عازمًا على مواصلة الجهاد، صارخًا في بني وطنه من مكمنه في جبل الزاوية بندائه الوطني الذي ألهب مشاعر السوريين قائلاً: "يا بني وطني، ويا أبناء سوريا الأشاوس، يا أباة الضيم، من قمة هذا الجبل الأشمّ أستصرخ ضمائركم، وأقول لكم: إن بلادنا العزيزة أصبحت اليوم محتلة، مهددة من قِبَل المستعمرين، أولئك الذين اعتدوا على قدسية استقلالنا وحرياتنا، قاصدين من وراء ذلك الاستعمار الجائر.. فيا أبطال الوغى، ويا حماة الديار، إلى الجهاد، إلى النضال عملاً بقوله تعالى: "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم".
قيادة الثورة
قاد "هنانو" الثورة ضد المحتل منذ شوال (1338هـ = يوليو 1920)، ونظمها في ثلاث مناطق لكل منها قائد تحت إمرته وعلى اتصال به، واعتصم بالجبال، وبدأ يذيق المستعمر ويلات العمليات الخاطفة والضربات السريعة، وتعددت تلك المعارك حتى بلغت مائة وسبع عشرة معركة، ألقت الرعب والهلع في نفوس المحتلين، وأصبح لا عاصم لها سوى طلب المفاوضة مع "هنانو"، ووقف القتال ومبادلة الأسرى، ولكن المفاوضة لم تلقَ نجاحًا بسبب غطرسة "غورو" وكِبْرِهِ.
واستأنف "هنانو" القتال مرة أخرى، وآزره الله بالنصر في معاركه التي خاضها معهم؛ فألَّف حكومة وطنية، وقويت شوكته بانضمام آلاف المجاهدين تحت لوائه، وقد قاموا بدكّ معاقل الجيش الفرنسي، ودانت له السلطة على "إدلب" و"قضاء المعرة" و"جسر الشاغور"، وكانت الإمدادات تصل إلى "هنانو" من الدولة العثمانية، فتعينه على مواصلة الجهاد، وتوجيه الضربات الموجعة؛ فتنبهت القوات الفرنسية إلى ضرورة قطع الإمدادات عن "هنانو" ورجاله، وقد نجحت في ذلك، وفي الوقت نفسه استقدمت قوات كبيرة لمحاصرته وتضييق الخناق عليه.
الوقوع في الأسر
ولمَّا ضاقت الأحوال بـ"هنانو" بعد قطع الإمدادات عنه، وفقد نصيرًا كان يشد من أزره، جاءته الأخبار بأن الأمير "عبد الله الحسن" أمير شرق الأردن على استعداد لمعاونته، وإمداده بما يحتاجه من سلاح، فغادر "هنانو" معقله في الجبال في (ذي القعدة 1339هـ = يوليو 1921م) مع أربعين من ضباطه، وولوا وجوههم شطر الأردن تحت جُنْحِ الظلام، غير مبالين بالأخطار والمهالك وعيون المحتلين، وبينما يمر هو ورفاقه بجبل "الشعر" في صباح يوم (10 من ذي القعدة 1339هـ = 16 من يوليو 1921م) بالقرب من حماة، هاجمتهم القوات الفرنسية تريد القبض على القائد حيًّا، أو تفتك به وبمن معه؛ فكانت معركة "مكسر الحصان"؛ حيث قُتل فيها فريق من المجاهدين، وأُسر بعضهم، ونجا "هنانو" وأحد رجاله، فاتجها إلى عمان، واتصل بالأمير عبد الله فرفض مساعدته، فاتجه إلى فلسطين، ولما علمت السلطات الفرنسية بوجوده هناك سارع المفوض السامي الفرنسي في سوريا بعقد اتفاق مع الإنجليز في فلسطين يقضي بتبادل المجرمين، وكان القصد تسليم "هنانو" إلى السلطات الفرنسية، فتم لها ما أرادت، واعتقلت القوات البريطانية "هنانو" وهو في القدس في (8 من ذي الحجة 1339هـ = 13 من أغسطس 1921م) وسلمته إلى السلطات الفرنسية، ولم تعبأ باحتجاج الأمير عبد الله على هذا التصرف المخزي، ولا بقيام المظاهرات التي اشتعلت في فلسطين تنديدًا بهذا الفعل الخسيس.
محاكمة هنانو
وبعد القبض علي هنانو ألقت قوات الاحتلال الفرنسي به في السجن العسكري بحلب، وشكلت له محاكمة عسكرية تتكون من خمسة من الضباط الفرنسيين، وعقدت المحاكمة أول جلساتها في (16 من رجب 1340هـ = 15 من مارس 1922م) في ظل إجراءات أمن مشددة، وترافع في هذه القضية مدافعًا عن "هنانو" محامٍ شابٌ في السابعة والعشرين هو "فتح الله صقال"، وكان محاميًا نابهًا لفت الأنظار إليه في هذه السن المبكرة.
وحاول المحامي أن يدفع بعدم صلاحية المحاكم العسكرية في محاكمة هنانو؛ لأن المبادئ القانونية المعمول بها في فرنسا لا تجيز للمحاكم العسكرية أن تنظر في مثل هذه القضية، ودفع بعدم قانون إخراج هنانو من فلسطين؛ لأن عقد الاتفاق الذي أُبرم بين المفوض السامي الفرنسي ونظيره البريطاني بشأن تبادل المجرمين إنما عُقد خصيصًا لتسليم إبراهيم هنانو؛ لأن جواز العمل بهذا الاتفاق يلزم إقراره من المجلس النيابي الفرنسي، وهذا لم يتم، لكن المحكمة لم تُصغِ إلى هذه المدافعة القانونية البارعة، وواصلت عزمها في نظر القضية، ودافع "هنانو" في ثبات وجراءة قائلاً للمحكمة: "نحن لم نعمد إلى الوسائل الحربية إلا للدفاع عن أنفسنا".
وطالب النائب العام في آخر أيام المحاكمة في (26 من رجب 1340هـ = 25 من مارس 1922م) بإعدامه قائلا في كلمته التي استغرقت ثلاث ساعات: "لو كان لإبراهيم هنانو سبعة رؤوس بعدد جرائمه لطلبت إعدام رؤوسه السبعة، ولكنه لا يملك إلا رأسًا واحدًا"، وانتهت المحكمة بالبراءة على غير ما كان يُتوقع من سير المحكمة؛ إذ اعتقد الفرنسيون أن أي حكم عليه سيؤدي إلى ثورة عارمة لن يستطيعوا الوقوف أمامها، فآثروا السلامة وعدم تصعيد الأمور.
وعندما أُفرج عنه استقبله الناس في "حلب" استقبالاً رائعًا، وتحوَّل إلى العمل السياسي، وظل طيلة حياته سيئ الظن بنوايا الفرنسيين؛ رافضًا الاعتراف بالانتداب، داعيًا إلى إصلاح التعليم، مُنبهًا إلى أن اللغة العربية سوف يُقضَى عليها ما دامت برامج التعليم تجعل اللغة الفرنسية مقياسًا للنجاح في المدارس، وتهمل دراسة آداب العرب وحضارتهم المجيدة.
وفي أخريات حياته أُصيب بمرض عضال تُوفِّي على إثره، ودفن في حلب في (24 من شعبان 1354هـ = 21 من نوفمبر 1935م)
دخل الأمير "فيصل بن الحسين" مدينة دمشق في (25 من ذي الحجة 1336هـ = 1 من أكتوبر 1918م) بعد أن تعاون مع الحلفاء في محاربة الدولة العثمانية، وإخراجها من بلاد الشام، وكانت الجيوش الفرنسية والإنجليزية التي تعاونت مع العرب لا تزال مرابضة في الساحل السوري ترفض مغادرة البلاد من حيث أتت، وطالت المباحثات بين فيصل وإنجلترا وفرنسا؛ لنيل استقلال بلاده، وحصولها على حريتها دون أن يصل إلى نتيجة حاسمة.
ولم يلبث أن اجتمع المؤتمر السوري، الذي كان أشبه ما يكون بالبرلمان في (16 من جمادى الآخرة 1338هـ = 8 من مارس 1920م)، ونادى بالأمير "فيصل" ملكًا على سوريا، وتألفت في اليوم نفسه حكومة عربية برئاسة "رضا باشا الركابي"، وكان من أعضائها "ساطع الحصري" و"فارس الخوري"، وتلا قرار المؤتمر على الجماهير المحتشدة في ساحة الشهداء بدمشق، وتضمن إنشاء حكومة ملكية دستورية في الشام تكون عاصمتها "دمشق"، وتنصيب الملك "فيصل" عليها، ورفض الصهيونية، وإنشاء وطن قومي لها بفلسطين.
وكان من الطبيعي أن تقتنع الدول الحلفاء بعدالة هذه القوات، وتوافقها على إرادة الشعب السوري ورغباته، لكن أحلام العرب في نيل الحرية والاستقلال تبددت بعد قرارات مؤتمر "سان ريمو" في إيطاليا في (6 من شعبان 1338هـ = 25 من إبريل 1920م)، الذي قضى بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، والعراق وفلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني، وكشفت الدولتان الاستعماريتان عن وجهيهما البغيضين، وأعلنتا عن نياتهما السيئة ومكرهما الخبيث، وأعقب ذلك قيام الجنرال "غورو" قائد الجيش الفرنسي في الشام بتوجيه إنذار شديد في (27 من شوال 1338هـ = 14 من يوليو 1920م) إلى الحكومة العربية بدمشق بضرورة قبول الانتداب الفرنسي على سوريا، وتسريح الجيش، ولم يدع للملك فيصل فرصة للتفكير أو الإمهال في الرد، فإما قبول الإنذار، وفي تنفيذه الاحتلال بعينه، وإما رفضه؛ فتكون المعركة المرتقبة.
ورفضت القوى الوطنية في سوريا هذا الإنذار، وأعلنت الحرب على فرنسا والتعبئة العامة، والاستعداد للجهاد، على الرغم من ضعف الإمكانيات وقلة العتاد، وتقدمت القوات الفرنسية صوب دمشق بجحافلها ومعداتها، واستماتت بعض الحاميات في الدفاع عن المدينة دون جدوى، وقبل أن يدخل الفرنسيون عاصمة الأمويين جرت معركة "ميسلون" الخالدة في (8 من ذي القعدة 1338هـ = 24 من يوليو 1920م)، التي استشهد فيها "يوسف العظمة" وزير الدفاع السوري، ولم تتمكن القوات السورية على بسالتها وشجاعتها من دفع الهجوم الفرنسي، والحيلولة دون وقوع دمشق في قبضة الفرنسيين.
ودخل القائد الفرنسي العاصمة فرحًا فخورًا، واتجه إلى قبر "صلاح الدين"، ووقف أمامه، وقال في شماتة: "نحن قد عُدنا يا صلاح الدين".
وبعد الاحتلال قاد المقاومة الشعبية في دمشق وحلب ثائر أبيٌّ، هو إبراهيم هنانو، اعتصم هو ورجاله بالجبال، وشنوا الهجمات المتتالية على قوات الاحتلال.
المولد والنشأة
وُلد إبراهيم هنانو في بلد "كفر تخاريم" من أعمال حلب سنة (1286هـ = 1869م)، ونشأ في أسرة ذات غِنى ويسار، تنحدر من أصل تركي؛ فعنيت بتربيته وتعليمه. وبعد أن أتم تعليمه الأوَّلِي أُرسل إلى "الآستانة"، والتحق بالمدرسة الملكية للحقوق والإدارة، وبعد التخرج تقلب في مختلف الوظائف الإدارية متنقلاً في بعض المدن العثمانية، حتى انتهى به الحال رئيسًا لديوان ولاية حلب سنة (1337هـ = 1918م).
مقاومة المحتل
وفي أثناء ولايته كانت القوات الفرنسية ترابض في الساحل السوري، وأظهرت نواياها الخبيثة ضد البلاد، ولم يصمت الأحرار في سوريا، فقام نفر من الثوار في شمال سوريا يناوشون القوات الداخلية، وعهدت جمعية "الدفاع الوطني" بحلب إلى "هنانو" بجمع المال والسلاح، وكانت هذه الجمعية قد تشكلت من القادة الوطنيين لتنظيم المقاومة ضد المحتلين. وقام "إبراهيم" بإمداد الثائرين في الساحل بالمال والسلاح والرجال، ونظم أمورهم حتى اشتدت يدهم في مقاومة الفرنسيين.
وبعد احتلال الفرنسيين لسوريا، عقب إنذار غورو ومعركة ميسلون- ترك إبراهيم هنانو حلب إلى معاقل الجبال؛ عازمًا على مواصلة الجهاد، صارخًا في بني وطنه من مكمنه في جبل الزاوية بندائه الوطني الذي ألهب مشاعر السوريين قائلاً: "يا بني وطني، ويا أبناء سوريا الأشاوس، يا أباة الضيم، من قمة هذا الجبل الأشمّ أستصرخ ضمائركم، وأقول لكم: إن بلادنا العزيزة أصبحت اليوم محتلة، مهددة من قِبَل المستعمرين، أولئك الذين اعتدوا على قدسية استقلالنا وحرياتنا، قاصدين من وراء ذلك الاستعمار الجائر.. فيا أبطال الوغى، ويا حماة الديار، إلى الجهاد، إلى النضال عملاً بقوله تعالى: "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم".
قيادة الثورة
قاد "هنانو" الثورة ضد المحتل منذ شوال (1338هـ = يوليو 1920)، ونظمها في ثلاث مناطق لكل منها قائد تحت إمرته وعلى اتصال به، واعتصم بالجبال، وبدأ يذيق المستعمر ويلات العمليات الخاطفة والضربات السريعة، وتعددت تلك المعارك حتى بلغت مائة وسبع عشرة معركة، ألقت الرعب والهلع في نفوس المحتلين، وأصبح لا عاصم لها سوى طلب المفاوضة مع "هنانو"، ووقف القتال ومبادلة الأسرى، ولكن المفاوضة لم تلقَ نجاحًا بسبب غطرسة "غورو" وكِبْرِهِ.
واستأنف "هنانو" القتال مرة أخرى، وآزره الله بالنصر في معاركه التي خاضها معهم؛ فألَّف حكومة وطنية، وقويت شوكته بانضمام آلاف المجاهدين تحت لوائه، وقد قاموا بدكّ معاقل الجيش الفرنسي، ودانت له السلطة على "إدلب" و"قضاء المعرة" و"جسر الشاغور"، وكانت الإمدادات تصل إلى "هنانو" من الدولة العثمانية، فتعينه على مواصلة الجهاد، وتوجيه الضربات الموجعة؛ فتنبهت القوات الفرنسية إلى ضرورة قطع الإمدادات عن "هنانو" ورجاله، وقد نجحت في ذلك، وفي الوقت نفسه استقدمت قوات كبيرة لمحاصرته وتضييق الخناق عليه.
الوقوع في الأسر
ولمَّا ضاقت الأحوال بـ"هنانو" بعد قطع الإمدادات عنه، وفقد نصيرًا كان يشد من أزره، جاءته الأخبار بأن الأمير "عبد الله الحسن" أمير شرق الأردن على استعداد لمعاونته، وإمداده بما يحتاجه من سلاح، فغادر "هنانو" معقله في الجبال في (ذي القعدة 1339هـ = يوليو 1921م) مع أربعين من ضباطه، وولوا وجوههم شطر الأردن تحت جُنْحِ الظلام، غير مبالين بالأخطار والمهالك وعيون المحتلين، وبينما يمر هو ورفاقه بجبل "الشعر" في صباح يوم (10 من ذي القعدة 1339هـ = 16 من يوليو 1921م) بالقرب من حماة، هاجمتهم القوات الفرنسية تريد القبض على القائد حيًّا، أو تفتك به وبمن معه؛ فكانت معركة "مكسر الحصان"؛ حيث قُتل فيها فريق من المجاهدين، وأُسر بعضهم، ونجا "هنانو" وأحد رجاله، فاتجها إلى عمان، واتصل بالأمير عبد الله فرفض مساعدته، فاتجه إلى فلسطين، ولما علمت السلطات الفرنسية بوجوده هناك سارع المفوض السامي الفرنسي في سوريا بعقد اتفاق مع الإنجليز في فلسطين يقضي بتبادل المجرمين، وكان القصد تسليم "هنانو" إلى السلطات الفرنسية، فتم لها ما أرادت، واعتقلت القوات البريطانية "هنانو" وهو في القدس في (8 من ذي الحجة 1339هـ = 13 من أغسطس 1921م) وسلمته إلى السلطات الفرنسية، ولم تعبأ باحتجاج الأمير عبد الله على هذا التصرف المخزي، ولا بقيام المظاهرات التي اشتعلت في فلسطين تنديدًا بهذا الفعل الخسيس.
محاكمة هنانو
وبعد القبض علي هنانو ألقت قوات الاحتلال الفرنسي به في السجن العسكري بحلب، وشكلت له محاكمة عسكرية تتكون من خمسة من الضباط الفرنسيين، وعقدت المحاكمة أول جلساتها في (16 من رجب 1340هـ = 15 من مارس 1922م) في ظل إجراءات أمن مشددة، وترافع في هذه القضية مدافعًا عن "هنانو" محامٍ شابٌ في السابعة والعشرين هو "فتح الله صقال"، وكان محاميًا نابهًا لفت الأنظار إليه في هذه السن المبكرة.
وحاول المحامي أن يدفع بعدم صلاحية المحاكم العسكرية في محاكمة هنانو؛ لأن المبادئ القانونية المعمول بها في فرنسا لا تجيز للمحاكم العسكرية أن تنظر في مثل هذه القضية، ودفع بعدم قانون إخراج هنانو من فلسطين؛ لأن عقد الاتفاق الذي أُبرم بين المفوض السامي الفرنسي ونظيره البريطاني بشأن تبادل المجرمين إنما عُقد خصيصًا لتسليم إبراهيم هنانو؛ لأن جواز العمل بهذا الاتفاق يلزم إقراره من المجلس النيابي الفرنسي، وهذا لم يتم، لكن المحكمة لم تُصغِ إلى هذه المدافعة القانونية البارعة، وواصلت عزمها في نظر القضية، ودافع "هنانو" في ثبات وجراءة قائلاً للمحكمة: "نحن لم نعمد إلى الوسائل الحربية إلا للدفاع عن أنفسنا".
وطالب النائب العام في آخر أيام المحاكمة في (26 من رجب 1340هـ = 25 من مارس 1922م) بإعدامه قائلا في كلمته التي استغرقت ثلاث ساعات: "لو كان لإبراهيم هنانو سبعة رؤوس بعدد جرائمه لطلبت إعدام رؤوسه السبعة، ولكنه لا يملك إلا رأسًا واحدًا"، وانتهت المحكمة بالبراءة على غير ما كان يُتوقع من سير المحكمة؛ إذ اعتقد الفرنسيون أن أي حكم عليه سيؤدي إلى ثورة عارمة لن يستطيعوا الوقوف أمامها، فآثروا السلامة وعدم تصعيد الأمور.
وعندما أُفرج عنه استقبله الناس في "حلب" استقبالاً رائعًا، وتحوَّل إلى العمل السياسي، وظل طيلة حياته سيئ الظن بنوايا الفرنسيين؛ رافضًا الاعتراف بالانتداب، داعيًا إلى إصلاح التعليم، مُنبهًا إلى أن اللغة العربية سوف يُقضَى عليها ما دامت برامج التعليم تجعل اللغة الفرنسية مقياسًا للنجاح في المدارس، وتهمل دراسة آداب العرب وحضارتهم المجيدة.
وفي أخريات حياته أُصيب بمرض عضال تُوفِّي على إثره، ودفن في حلب في (24 من شعبان 1354هـ = 21 من نوفمبر 1935م)
الأربعاء 13 يوليو 2011, 11:06 am من طرف أحلى حمودي
» رسالة أم حمصية الى ابنتها
الأربعاء 13 يوليو 2011, 10:57 am من طرف أحلى حمودي
» إنشاء منتدى أجمل من هذا المنتدى بتصميمي ومجانا
الثلاثاء 18 يناير 2011, 8:21 pm من طرف ربيع شعار
» أنا خلص .. بدي صيف !
السبت 18 ديسمبر 2010, 9:19 pm من طرف عازم
» القلم و الكلمة و الكرباج !!!
الإثنين 13 ديسمبر 2010, 12:54 am من طرف فاطمة نحلاوي
» أمّــــاه( خاص )
الخميس 04 نوفمبر 2010, 11:51 pm من طرف محمد عبد الستار طكو
» الرسم على الأسقف
الخميس 12 أغسطس 2010, 3:14 am من طرف shaema
» شوق الى أمي ... - بقلم : الشاعرة : غادة ملاعب -
الثلاثاء 27 يوليو 2010, 8:38 pm من طرف ربيع شعار
» قطر : الجدي الذي يلعب بعقول التيوس !!!!!
الإثنين 14 يونيو 2010, 5:16 am من طرف ربيع شعار